- مرسوم رئاسي يستبدل الفائزين الأكراد بالخاسرين الإسلاميين، وحزب الشعوب الديمقراطي يتهم المجلس الأعلى للانتخابات بالانصياع لأوامر الرئيس.
لجأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى صلاحياته الدستورية الموسعة من أجل السطو على عدة بلديات كردية فاز فيها معارضوه، فيما لم يستوعب بعد صدمة خسارته لبلدية إسطنبول التي انتهت مع فقدانها أسطورة الرجل الخارق. وادخر أردوغان منذ 2016 مرسوما رئاسيا لمثل هذا الوقت من الشدة، يقضي بعزل الفائزين في الانتخابات إن تخلدت بذمتهم شبهات “إرهاب” مع إسعافهم بحق الترشح لتولي المناصب العامة بالبلاد وهي من المفارقات في “ديمقراطية” الجماعة.
إسطنبول (تركيا) – أكد متحدث باسم حزب بارز موال للأكراد في تركيا الخميس، أن هيئة الانتخابات التركية ألغت فوز مرشحين للحزب بمنصب العمدة في ست مناطق، فيما استبق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذا الفوز بمرسوم يمنع تولي مناوئيه في الإقليم الكردي من تولي مناصب عامة في البلاد.
ومن مفارقات المرسوم الرئاسي الصادر على إثر محاولة الانقلاب الفاشلة في 2016 أنه يسمح بترشح من تحوم حولهم شبهة الانتماء إلى حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه السلطات التركية محظورا، للانتخابات العامة، لكنه يمنع في نفس الوقت توليهم مناصب سياسية في حال فوزهم.
ويسمح المرسوم المثير للجدل بتعيين شخصيات أخرى لتولي المناصب التي يفترض أن يكون من يشغلها منتخبا. وتأتي هذه الخطوة في الوقت الذي تعرض فيه حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم إلى انتكاسة انتخابية في كبرى المدن التركية، إسطنبول وأنقرة، بعد سيطرته عليهما طوال 17 سنة.
وقال حزب الشعوب الديمقراطي إن العمد الستة المنتخبين في مناطق بمحافظات ديار بكر وفان وأرضروم وقارص لا يمكنهم تسلم مهام مناصبهم بسبب قرار من المجلس الأعلى للانتخابات.
94 من 102 بلدية كردية ليسوا رؤساء البلديات الذين اختيروا في آخر انتخابات 2014
والعمد المنتخبون، ومن بينهم معلمون وأخصائيون اجتماعيون، قد طردوا من الخدمة المدنية في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا عام 2016، وليسوا مؤهلين لتولي مناصب عامة. لكن كان لا يزال يجوز لهم الترشح لمناصب العمدية في الانتخابات المحلية التي جرت في 31 مارس الماضي.
وقال النائب البرلماني المنتمي إلى حزب الشعوب الديمقراطي صاروهان أولوتش في فعالية صحافية في أنقرة إن العمد الستة سوف يحل مكانهم مرشحو حزب العدالة والتنمية الذين حلوا في المركز الثاني خلال الانتخابات في تلك المدن.
وانتقد أولوتش قرار المجلس الأعلى للانتخابات، واصفا إياه بأنه “مؤامرة سياسية مدبرة”، متهما الهيئة الانتخابية بالانصياع لأوامر حكومة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
ومنذ عام 2016، عينت الحكومة التركية أشخاصا يحظون بثقتها مكان عشرات العمد من حزب الشعوب الديمقراطي الموالي للأكراد. وتقول الحكومة إن هؤلاء العمد المفصولين تربطهم صلات بحزب العمال الكردستاني المحظور.
وبإلغاء فوز العمد المنتخبين الستة يبقى 59 مجلس بلدية في حوزة حزب الشعوب الديمقراطي، وفقا للنتائج الأولية للانتخابات.
واستهدفت حملة تطهير غير مسبوقة شنّتها السلطات التركية أنصار غولن قبل أن تتسع لتطول القريبين من الأكراد ووسائل إعلام. وأقيل أكثر من 140 ألف شخص من وظائفهم أو علّقت مهمّاتهم، كما أوقِف أكثر من 55 ألف شخص.
وقبل الانتخابات التي أجريت الأسبوع الماضي، هدّد أردوغان مرة جديدة باعتماد هذا الإجراء لاستبدال رؤساء بلديّات مرتبطين بـ”الإرهاب”، فيما لم يستطع استيعاب صدمة فقدان حزبه لبلدية إسطنبول التي دعا إلى إلغاء نتائج صناديق اقتراعها.
وصعّدت حكومة أردوغان حملة الاعتقالات التي تشنها بحقّ المئات من الأكراد الذين تتهمهم بالانتماء إلى حزب العمال الكردستاني الذي تصفه أنقرة “إرهابيا”، حيث تأتي الاعتقالات بعد أيام من تحذير الرئيس التركي بأنه سيقيل أي رئيس بلدية ينتخب في الانتخابات المحلية إذا تبين أن له صلة بالإرهاب. ويدير قائمون بالأعمال الآن 94 من 102 بلدية في المدن والبلدات ذات الأغلبية الكردية وليس رؤساء البلديات الذين اختيروا في آخر انتخابات محلية أجريت عام 2014، حيث عزلتهم السلطات في الحملة الأمنية التي أعقبت محاولة انقلاب عام 2016.

وبينما سيواصل أردوغان تمتعه بسلطات تنفيذية كاسحة يخولها له منصبه الرئاسي فإن أداء حزبه الضعيف يعتبر بمثابة ضربة رمزية له يبيّن الإحباط الناجم عن الاقتصاد الذي أضر بسياسي ظل الناس ينظرون إليه لفترة طويلة باعتباره لا يقهر.
وفي الانتخابات البلدية التي أجريت عام 2014 حصل حزب العدالة والتنمية على 43 في المئة من الأصوات متقدما بفارق كبير على أقرب منافس له وهو حزب الشعب الجمهوري العلماني الذي حصل على أقل من 25 في المئة من الأصوات.
وكان أردوغان قد برز في الساحة السياسية التركية وهو في منصب رئيس بلدية إسطنبول، ومعروف عنه أنه يولي أهمية خاصة بانتخابات البلديات ويعتبرها أساسية في موقف الناخبين من الحكومة.
ولا يريد أردوغان الاعتراف بأنه خسر في المدينة التي شهدت بداية صعوده، والتي تذكّره بمجد “الخلافة” ونجومية السلاطين الذين يعمل على أن يصير واحدا منهم عبر افتعال المعارك في كل اتجاه.
ومع رفض اللجنة العليا لمطالب الحزب الحاكم لإعادة العملية الانتخابية في إسطنبول وأنقرة، قد ينتقل الرئيس إلى وضع خطط في الكواليس قد تصل إلى استخدام مؤيديه في مجالس البلديات كأداة لمنع رئيسي بلدية إسطنبول وأنقرة من تمرير قرارات للوفاء بوعودهما لمتساكني المدينتين الرئيسيتين.
واكتسح حزب العدالة والتنمية، وهو حزب إسلامي الجذور، انتخابات عام 2002 ببرنامج وعد بمكافحة الفساد وبناء الاقتصاد ومساعدة ملايين الفقراء والمتدينين الأتراك الذين كانوا محل تجاهل من الصفوة التركية.
وطبق حزب العدالة والتنمية في حملته الانتخابية إجراءات تحفيز تستهدف الناخبين الفقراء؛ رفع الحد الأدنى للأجور، وخفض بعض الضرائب على الواردات، وإعادة هيكلة ديون بطاقات الائتمان، لكن أثر ذلك على النتائج كان محدودا، خاصة وأن الاقتصاد في طريقه إلى الركود.
تقارير