د. وفيق إبراهيم :
تَشتدُ عقوبات الأميركيين على فنزويلا وإيران وسورية بالتزامن مع استمرارهم في احتلال العراق وشرق الفرات وتأديب المنافسين والأصدقاء لأسباب يقولون إنها لضرب الإرهاب ونشر الديمقراطية والقضاء على أسلحة الدمار الشامل.
هذه الشعارات هي وريثة شعار نشر الحضارة الذي استخدمه الاستعمار الغربي لتبرير سيطرتها على العالم في القرون الثلاثة الماضية.
لكن التدقيق في أوضاع البلدان المستهدفة يكشف أنها تنتمي الى لائحة الدول النفطية الأولى في العالم إنتاجاً واحتياطاً كما أنها لا تنتمي سياسياً الى لائحة المنضوين في إطار النفوذ الأميركي.
فهل من باب المصادفات أن تكون فنزويلا البلد الأول في احتياطاتها النفطية العالمية 18 في المئة ، وإيران الرابعة على اللائحة نفسها والثانية في احتياطي الغاز في العالم، فيما يحتل العراق المرتبة النفطية الخامسة عالمياً الى جانب وجود أماكن واعدة بكميات كبيرة من الغاز، لم يبدأ باستثمارها حتى الآن، فهل غريب أن تكون على لائحة العقوبات الأميركية دفعة واحدة؟
ويتبيّن أن خارطة توزع النفط العالمي هي على الشكل التالي: الأولى فنزويلا، الثانية السعودية، الثالثة كندا، الرابعة إيران والعراق الخامس.
أما الغاز فهو روسي أولاً وإيراني ثانياً وقطري ثالثاً وجزائري رابعاً، وهناك أحاديث عن إمكانات سعودية وسورية وسودانية ويمنية وعراقية ولبنانيّة هائلة من هذا المورد.
بالقراءة السياسية لهذه الأرقام يتبين أن الأميركيين يسيطرون على النفط السعودي فقط، وبالتالي على السياسة السعودية.
لجهة الكنديين فيمارسون سياسات في عالم الطاقة قد لا تعادي الأميركيين، لكنها تتناسب وبكل تأكيد مع المصالح الأساسية لاقتصادهم.
أما العراق فتسيطر الشركات الأميركية على نفطه بسبب الاحتلال الأميركي له، الى جانب العلاقات العميقة بين كردستان العراقية التي تحتوي على آبار غزيرة وبين السياسات الأميركية التي تشجّعها على تشجيع كانتون مستقلّ الى حدود الانفصال.
ان حصار فنزويلا وإيران واحتلال العراق يساوي بالارقام 612 مليار برميل من النفط مع إمكانات هائلة من الغاز.
ماذا عن سورية؟ ولماذا يهتم بها الأميركيون؟
إن اقتفاء حركة التدخل الأميركي فيها منذ العام 2012 يستخرج أربعة اسباب متكاملة: أولاً تفتيتها لتمرير صفقة القرن التي تُنهي القضية الفلسطينية، ثانياً إضعاف المنطقة العربية ومنعها من الاستفادة من الصراعات الدولية لإعادة إنتاج نظام عربي بديل من نظام كمب دايفيد بوسعه أن يستند الى تقارب سوري عراقي، رابعاً وضع اليد الأميركية على مناطق شرقي الفرات، حيث يتواصل كشف المعلومات عن وجود حقول غاز ونفط في محافظة دير الزور بمفردها تكفي حاجات 20 مليون مواطن إلى جانب حقول حمص والحسكة ورميلان والعمر والتيم وهي من النفط والغاز التي تقول دراسات غربية أن استثمارها يجعل سورية أغنى من الخليج وربما أوروبا.
لذلك دعم الأميركيون والخليجيون والأتراك الإرهاب العالمي في سورية وكانوا يأملون إسقاط الدولة السورية. أما الهدف فواضح جداً، بدليل أنه يتبين أن الأميركيين يحتلون شرق الفرات مع قوات اوروبية صغيرة، مختبئين خلف مشروع كردي كان يعمل في أقصى الشرق الشمالي، لكن الأميركيين وفروا له وبخطة محكمة السبل السياسية والعسكرية للتمدد الى الجنوب وكامل الشرق، أي حيث توجد آبار النفط والغاز دامجين مئات من قوات العشائر العربية بقوات سورية الديمقراطية الكردية لتبرير الهيمنة الكردية على المناطق العربية، حيث توجد مصادر الطاقة.
هذا ما يؤكد أن الأميركيين يواصلون احتلال شرق الفرات بعد انهيار المشروع الإرهابي، بسبب مصادر الطاقة الغزيرة والوافرة ومنع التنسيق مع العراق ودعم كانتون كردي مستقل تماماً عن الدولة السورية، فبذلك يرتفع مدى العقوبات الأميركية على فنزويلا وإيران والعراق من 612 مليار برميل من النفط الى 800 مليار تقريباً وكميات لم تقدّر بعد من الغاز، ففنزويلا ليست بعيدة عن أميركا الشمالية لكن البيت الأبيض فوجئ بمقاومة أنظمتها السياسية المتعاقبة لمشاريع الهيمنة، فتحينَ فرصة تراجعه في الشرق الاوسط وصعود الدور الروسي والاندفاعة الصينية لإسقاط الحكم في فنزويلا بذريعة عدم ديمقراطيته وكأن دول الخليج التي يدعمها والأردن ومصر ومعظم دول أميركا الجنوبية تعمل بإيقاع ديمقراطي فريد.
الأمر الذي يدفع الى التساؤل عن أسباب هذا الحصار الأميركي الخليجي الإسرائيلي على إيران، فيظهر ان إيران المليئة بالغاز والنفط والثائرة على الهيمنة الأميركية لا يستطيع الأميركيون تحمّلها.
فهم يريدون السيطرة على نفطها الرابعة عالمياً وغازها الثانية عالمياً ولجم حركتها السياسية المندفعة في قلب النفوذ الأميركي من أفغانستان حتى البحر الأبيض المتوسط.
هذه المعلومات تجعل الشعارات الأخلاقية التي يرفعها الأميركيون لتفتيت هذه الدول أو تغيير أنظمتها السياسية، مجرد واجهات لمشاريع هيمنة ذات بعد جيوبوليتيكي يجمع بين السياسة والاستراتيجيا والاقتصاد.
كما أنها طريقة لاحتكار مصادر الطاقة من الغاز والنفط ومنعها عن المنافسين، خصوصاً روسيا والصين، وتصبح امكانات روسيا من الغاز للزوم استهلاكها الداخلي والبيع للخارج بالتقنين بطريقة تكبح الصعود الروسي وتمنعه من منافسة الأميركيين كما تؤدي الى عرقلة الاندفاعة الصينية وذلك بسيطرة الجيوبوليتيك الأميركي على معظم اسواق العالم بيعاً وشراءً.
وبذلك تواصل الأُحادية الأميركية سيطرتها المطلقة لنصف قرن جديد بالهيمنة على الدول العالمية الخمس في النفط والبلدان الاولى في الغاز، وهذا يؤدي فوراً الى انتصار «الطاقة» على لغة «التوازن في الرعب النووي»، لأن مراكز القرار الدولي يجب أن تحوز على عاملي القوة العسكرية والاقتصاد. ما يضع الدولة السورية وأحلافها وفنزويلا والمقاومة العراقية وإيران من القوى التي تقاوم في الداخل بأفق تحرير العالم من الشعارات الأخلاقية الأميركية والغربية المزعومة التي تنتهك الاستقرار العالمي بوجه بريء ومضمون إرهابي لا يزال يقتل الناس منذ أربعة قرون.
البناء