تحيي فرنسا الأربعاء ذكرى “الإبادة الجماعية” التي قام بها الجيش العثماني ضد الأرمن في الحرب العالمية الأولى. وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن هذا اليوم يوما وطنيا في فرنسا بداية شهر فبراير/شباط الماضي ليحقق بذلك أحد تعهداته التي قطعها أثناء حملته للانتخابات الرئاسية العام 2017. وأثار هذا القرار غضبا تركيا عارما وتنديدا من قبل أنقرة وأصاب العلاقات الفرنسية التركية بالتوتر.
للمرة الأولى، تحيي فرنسا الأربعاء 24 أبريل/نيسان ذكرى الإبادة الجماعية التي اقترفتها القوات العثمانية بحق الأرمن خلال الحرب العالمية الأولى. وكانت فرنسا قد اعترفت رسميا بما يطلق عليه “الإبادة الجماعية للأرمن” على يد العثمانيين في العام 2001. وتحقيقا لوعد انتخابي قطعه على نفسه، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شهر فبراير/شباط الماضي، يوم 24 أبريل/نيسان يوما وطنيا في بلاده لإحياء ذكرى “الإبادة الأرمنية”.
ويعود اختيار هذا التاريخ إلى يوم 24 أبريل/نيسان من العام 1915 عندما اعتقلت السلطات العثمانية، تحت قيادة حكومة “تركيا الفتاة” ما يقرب من 600 شخص من مثقفي وأعيان المجتمع الأرمني في العاصمة العثمانية القسطنطينية (إسطنبول الحالية) وقامت بترحيلهم إلى منطقة أنقرة ليلقى معظمهم حتفه في نهاية المطاف.
وأثناء سنوات الحرب العالمية الأولى (1914-1918) واصلت السلطات العثمانية اضطهادها المنظم للأرمن وقامت بحملات كبيرة من التهجير القسري لمئات آلاف السكان من قراهم وأراضيهم وإعادة توطينهم في مناطق أخرى من الإمبراطورية وخاصة في بلاد الشام وسوريا، تحت مظلة قانون “التهجير” المؤقت الذي أصدره البرلمان العثماني في 27 مايو/أيار العام 2015 بدعوى تهديد هؤلاء السكان للأمن القومي.
وطبقا للإحصاءات التي أصدرها الأرمن حول أعداد ضحايا هذه المجازر فإن ما يقرب من 1,5 مليون أرمني قتلوا جراء هذه السياسة القمعية المنظمة قبل سقوط الدولة العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى. فيما اعترفت أكثر من عشرين دولة في العالم بحدوث “إبادة جماعية” للأرمن من ضمنها فرنسا.

يقول ريمون كيوركيان، المؤرخ والمدرس بالمعهد الفرنسي للجغرافيا السياسية (الجيوبوليتيكا) إن “الأرمن قد أبيدوا باسم القومية، المرض الذي نخر عظام أوروبا آنذاك، التي كان هدفها تطهير الأمة من العناصر الأجنبية، “الميكروبات” كما كان يطلق عليهم في هذا العهد”.
إبادة الأرمن: “حُراس الذاكرة”
رفض تركي
وترفض تركيا رفضا قاطعا وصف ما حدث للأرمن في هذه الفترة “بالإبادة” وتقول إن هؤلاء القتلى سقطوا خلال حرب أهلية تزامنت مع مجاعة وأدت إلى مقتل ما بين 300 ألف و500 ألف أرمني فضلا عن عدد مماثل من الأتراك حين كانت القوات العثمانية وروسيا تتنازعان السيطرة على الأناضول. وتحيل عادة تركيا بالإشارة إلى المجازر المضادة التي ارتكبها الأرمن ضد المسلمين الأتراك في تلك الفترة، وهي المجازر التي لا يتحدث عنها العالم حسبها.
أرمن متخفون في تركيا يبحثون عن هوياتهم
وأثار هذا الاعتراف الدولي بالمجازر ضد الأرمن امتعاض تركيا وأدى إلى توتر علاقاتها مع هذه الدول وخاصة فرنسا وألمانيا وهولندا وأخيرا إيطاليا. وفي بيان أصدرته الخارجية التركية يوم 11 أبريل/نيسان الجاري أدانت أنقرة القرار الفرنسي بتخصيص يوم 24 أبريل/نيسان يوما وطنيا لإحياء ذكرى الإبادة الأرمنية منددة “بالسلوك الفرنسي الذي لا يمكن وصفه بالصديق، والذي سيؤثر سلبا على العلاقات الثنائية بين البلدين”. فيما قال إبراهيم كالين المتحدث باسم الرئاسة التركية في بيان “ندين ونرفض محاولات ماكرون، الذي يواجه مشاكل سياسية في بلاده، تحويل وقائع تاريخية إلى قضية سياسية لإنقاذ وضعه”.
وفي اليوم التالي 12 أبريل/نيسان اتهم مصطفى سينتوب، رئيس البرلمان التركي، فرنسا “بالتلاعب بالتاريخ” وحملها مسؤولية المجازر التي ارتكبت في الجزائر في العهد الاستعماري وكذا في رواندا في حقبة التسعينيات من القرن المنصرم.
كما اندلعت مشادة كلامية حادة بشأن الإبادة الأرمنية بين وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو والنائبة الفرنسية عن حزب الجمهورية إلى الأمام صونيا كريمي، خلال اجتماع للجمعية البرلمانية لحلف شمال الأطلسي في تركيا. فقد أكدت كريمي أنها “صدمت” جراء الهجمات التركية رافضة رواية التاريخ “التي يكتبها الفائزون”، بحسب مشاهد من الاجتماع بُثت مباشرة. عندها رد وزير الخارجية التركي مهاجما بعنف فرنسا وماكرون. وقال “من حيث الإبادة الجماعية والتاريخ، فرنسا هي آخر دولة يمكن أن تعطي دروسا لتركيا لأننا لم ننسَ ما حصل في رواندا والجزائر”. وأضاف “يمكنكم أن تواصلوا النظر إلى الأمور من عليائكم، لكننا سنواصل العمل على إعادتكم إلى مكانكم”. وبعد هذه المواجهة، غادرت النائبة كريمي والوفد الفرنسي المشارك في الاجتماع، القاعة احتجاجا.