الرسم التوضيحي (كاريكاتير) الذي نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية الخميس الماضي، والذي أظهر بنيامين نتنياهو رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي على صورة كلب يرشد الرئيس الأميركي دونالد ترامب، جاء ـ كما يبدو ـ محاولة من الصحيفة لتلخيص العلاقة الوثيقة التي تربط الحليفين الولايات المتحدة وكيان الاحتلال الإسرائيلي عبر رمزيهما (نتنياهو وترامب)، ولتؤكد حالة الوفاء المعروفة للكلب تجاه صاحبه، وكذلك وفاء الصاحب لكلبه من حيث الاهتمام به وتوفير ما يحتاجه من أمن ورعاية وعناية.
الرمزية التي حملها الرسم الكاريكاتيري لتوضيح العلاقة القائمة بين الكلب وصاحبه، وقيام الكلب بحراسة الأخير، ونباح الغريب والهجوم على كل من يحاول الاقتراب من أو المساس بأملاك الصاحب، وإرشاده إليه، مع ما يرتبه ذلك من واجبات ومسؤوليات من الصاحب تجاه كلبه، هذه الرمزية إذا ما أسقطناها على الواقع نجد أن كيان الاحتلال الإسرائيلي بقادته وعصابات جيشه ومستوطنيه يمثل ـ في ميزان الولايات المتحدة ونظرها ـ الحارس أو رأس الحربة للمصالح الأميركية في المنطقة، فوجود هذا الخنجر المسموم مغروزًا في خاصرة الوطن العربي هو أحد الأسباب التي تمكنت الولايات المتحدة ومعها القوى الاستعمارية الامبريالية الغربية الحليفة من التغلغل في مفاصل المنطقة ودولها، والإمساك من عنقها والمتمثل في السيطرة الواضحة على ثروات شعوب المنطقة وأمنها واستقرارها واستقلالها، وسلب إرادة شعوبها نحو التحرر والتنمية والتطور والتمتع بحقوقها وثرواتها.
من يتتبع دور كيان الاحتلال الإسرائيلي في المنطقة يقوم على خطين متوازيين؛ الأول: ويتمثل في تثبيت ركائز الاحتلال الإسرائيلي داخل فلسطين كل فلسطين، ومد أذرعه ليشمل خارجها، ونعني به ـ وفق المخطط الصهيوني الذي انبنت عليه رؤية قيام مستعمرة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات ـ أن يشمل استيلاء كيان الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي العربية المحتلة، وإلحاقها بأراضٍ عربية جديدة لتتحقق “القيامة الإسرائيلية الكبرى”. وهو المُعبَّر عنه بتحقيق أمن “إسرائيل” بداية من اتفاقيات التحييد والاستسلام والموصوفة زورًا بـ”اتفاقيات ومعاهدات السلام” وأبرزها (كامب ديفيد، أوسلو، وادي عربة)، ومرورًا بما يسمى كذبًا وزورًا “الربيع العربي” الذي جيء به لخلخلة الدول العربية، وخصوصًا الدول التي تقف على مسافة بعيدة مما يسمى باتفاقيات السلام والتفاوض مع المحتل الإسرائيلي، وتتخلى عن المقاومة وأدبياتها النضالية، حيث شاهد الجميع الدور الكبير الذي أوكل إلى التنظيمات الإرهابية وبعض القوى الإقليمية لترجمة مخطط “الربيع العربي” وفق ما يخدم مشروع الاحتلال الإسرائيلي وتأمين بقائه. وللأسف لا تزال هذه التنظيمات تواصل أدوارها، ولا تريد أن تتعظ مما يجري، ولا ترغب في العودة عن مسلكها الخطير لا سيما وأنها تشاهد، بل شريكة في تقسيم كعكة الوطن العربي بين كيان الاحتلال الإسرائيلي والقوى الامبريالية الاستعمارية في فلسطين والعراق وليبيا والسودان والجزائر واليمن و… ما يؤكد أن هذه التنظيمات الإرهابية التكفيرية لا هدف لها سوى القتل والتدمير والتخريب وخدمة القوى الامبريالية الاستعمارية، وانتهاء بما يسمى “صفقة القرن” الصهيو ـ أميركية التي اختزلت جهود الحليفين الإسرائيلي والأميركي طوال ما يزيد على سبعة عقود من الصراع العربي ـ الإسرائيلي. وما يحصل اليوم يؤكد كيف أدارت الولايات المتحدة وحليفها كيان الاحتلال الإسرائيلي دفة الصراع ليصل إلى هذه المرحلة الخطيرة التي باتت فيها معادلة: كل دولة ترفض هذه الصفقة عليها أن تنتظر مارد الفوضى وبالأخص الفوضى الإرهابية والتخريب والتدمير وخلخلة استقرارها؛ لذلك ليس مثيرًا للدهشة أن لا يجد المتابع دولة عربية تعلنها صراحة أنها ترفض “صفقة القرن”.
أما الخط الثاني الذي يقوم عليه دور كيان الاحتلال الإسرائيلي فيتمثل في إيجاد الذرائع والمبررات التي تسمح ببقاء القوى الامبريالية الاستعمارية مهيمنة على مقدرات المنطقة وثرواتها واستقلالها وسيادتها، لذلك لا غرو أن يجعل من الجمهورية الإسلامية الإيرانية ذريعة ومبررًا لاستمرار استلاب المنطقة ونهب ثرواتها.
وعودًا على بدء، ـ وحسب صحيفة القدس العربي ـ فإن صحيفة “نيويورك تايمز” وتحت الضغط عليها عادت واعتذرت السبت الماضي عن نشرها الرسم الكاريكاتيري، وأنه تضمن “استعارات معادية للسامية”، وأن الصورة كانت “قبيحة” والسماح بنشرها كان “قرارًا خاطئًا”. إلا أنه ورغم ذلك، فإن الولايات المتحدة لم تتأخر يومًا عن تنفيذ ما يطلبه منها حليفها الإسرائيلي، فهي التي قادت حربي أفغانستان والعراق، وتقود ما يسمى “الربيع العربي” و”صفقة القرن”، وهي التي تقود الحروب والعقوبات الاقتصادية، والانسحاب من المعاهدات والاتفاقات الدولية وفي عين الهدف من ذلك كيان الاحتلال الإسرائيلي.
الوطن العمانية – خميس التوبي