د.محمد عبدالرحمن عريف
سبق أن أظهرت صور وتسجيلات نادرة قُدمت لأول مرة، بثها برنامج “مبعوث خاص” بالقناة الفرنسية الثانية، كيف أن مكتب التحقيق الفدرالي “إف بي آي”Federal Bureau of) Investigation FBI)، التي تعمل كوكالة استخبارات داخلية بالولايات المتحدة الأمريكية، كان يعمد إلى اختراق الجاليات المسلمة بأمريكا، وصناعة إرهابيين بأي ثمن. وبعد زهاء 14 سنة على أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001، ظلت الحرب ضد “الإرهاب” تعتبر أولوية قصوى لدى المخابرات الأمريكية، والتي تحرص على “توظيف” أشخاص لهم سوابق في ترويج الممنوعات، أو يعانون من اضطرابات سلوكية أو مشاكل اجتماعية ومالية، من أجل تنفيذ هجمات إرهابية داخل البلاد، قبل أن تعمد إلى توقيفهم وإظهار المسلمين على أنهم إرهابيون.
لقد أورد التحقيق الذي بثه البرنامج الفرنسي صورًا وتسجيلات مرئية تكشف عن طرق اشتغال الوكالة الأمريكية للاستخبارات لمحاربة الإرهاب، ومن ذلك ما كشفته شهادة “غريغ موتان”، مخبر سابق لدى الـ”FBI“، والذي غير هويته بناء على أوامر الاستخبارات الأمريكية، ليصبح “فاروق عزيز” بشكل وملابس إسلامية. ويحكي المخبر السابق كيف أنه كان تاجرًا للمخدرات قبل أن يتم توظيفه من طرف وكالة “FBI” قبل سنوات، وبراتب شهري يصل إلى 9 آلاف أورو، لاختراق المسلمين الذي يؤمون عددًا من المساجد بضواحي لوس أنجلوس، وذلك بواسطة مفاتيح يدوية كان يحملها معه دائمًا، وتحتوي على “ميكرو” خفي، يقوم بتسجيل كل ما يدور بين جماعات المسلمين.
هنا يقول المخبر الأمريكي السابق للقناة الفرنسية الثانية “كنت أتعمد ترك مفاتيحي في المسجد، خاصة في مكتب إمام المسجد، أو عند أفراد من الجالية المسلمة، بينما أعود بعد ذلك للبحث عن مفاتيحي التي أملك الكثير منها، حتى صرت معروفًا في تلك الأوساط بأنني شخص أنسى مفاتيحي كثيرًا، بينما كانت دليلًا على تسجيل أحاديثهم”. واعترف موتان بأنه أحيانًا كثيرة كان يتعمد استفزاز المسلمين من خلال الحديث عن الجهاد على الأراضي الأمريكية، أو الجهاد ضد كل بلد يغتصب أبناء المسلمين، وبأنه كان يحاول دفعهم إلى تبني أفكاره، غير أن أغلب المسلمين كانوا لا يستجيبون لكلامه”، قبل أن يؤكد المخبر جازمًا “إنهم ليسوا إرهابيين”.
…هكذا فى مجال السياسة الدولية لا شىء يحدث صدفة, كل شىء محسوب بالورقة والقلم, تتم صناعتة بحرفية شديدة عن طريق أجهزة المخابرات العالمية وحلفائها لتحقيق مكاسب إقتصادية وأخرى سياسية تتعلق بالسيطرة على دول كاملة ورسم حدود دول جديدة, وهى تماثل تماماً عملية ما يحدث فى عمليات التصنيع, فالصناعة عبارة عن منتج يتم تخليقه ثم تسويقه للحصول على أكبر قدر من المكاسب منه. وحيث يتكرر ذلك الأمر فى مجال السياسة التى يتم فيها تصنيع جماعات إرهابية ثم التخلص منها بعد إنتهاء مهماتها المنوطة بها.
نعم هي الحرب بالوكالة ظهر هذا المصطلح الجديد مؤخراً وفيه تستخدم القوى المتحاربة أطرافًا أخرى للقتال بدلاً منها بشكل مباشر وهو ما حدث عند الغزو السوفييتى لأفغانستان قبل نهاية 1979 حيث دخلت الولايات المتحدة بشكل غير مباشر فى الحرب الدائرة عن طريق دعم المجاهدين الأفغان بالمال والتدريب والسلاح لمحاولة إضعاف الإتحاد السوفييتى دون إحداث خسائر تذكر فى الجانب الأمريكى. إلا أن الولايات المتحدة وحلفاؤها وجدت أن العراق ليس كأفغانستان وكانت تحتاج إلى التدخل العسكرى المباشر لتحطيم القوة العسكرية التى يمكن أن تهدد إسرائيل وذلك فى حرب الخليج الثالثة عام 2003 التى تم فيها غزو العراق وتكبدت دول التحالف التى شنت الحرب خسائر كبيرة فى المعدات والأفراد خاصة القوات الأمريكية والبريطانية حيث تعرضت حكومات البلدين لإعتراضات شعبية واسعة.
هنا كان لابد من تغيير فلسفة الحروب الحديثة التى تقوم على المواجهة المباشرة ليتكرر نفس الأسلوب السابق الذى تم سابقاً فى أفغانستان والذى يعتمد على الحرب الغير مباشرة عن طريق طرف آخر يقوم بتحطيم جيش الدولة تماماً حتى تدخل القوات الأمريكية وتقوم بتقسيم الأرض دون خسائر تذكر, وهنا كان لابد من البحث عن طرف جديد بديل لتنظيم القاعدة الذى أصبح كارتاً محروقاً وإستنفذ الغرض منه, وكان الهدف تصنيع تنظيم جديد ليقوم بالمهمة لكن هذة المرة مع الجيش السورى وهو الجيش الثانى بعد العراق فى منطقة آسيا الذى كان يستطيع مواجهة إسرائيل وهذا التنظيم الجديد جاء أكثر شراسة من تنظيم القاعدة ليظهر تحت إسم داعش.
كان لابد من التحضير لتلك الفلسفة الجديدة من خلال تهيئة الشعوب العربية لتصبح الظهير الأساسى لتلك التنظيمات والمفرخة التى تمدها بالأفراد عن طريق التدخل فى شئون الدول تحت إسم نشر الديمقراطية , لتنقلب الشعوب على أنظمة الحكم , والغريب أنه كان يتم الإعلان عن تلك السياسة الجديدة فى الصحف دون أن يلحظ أحد. وكما يظهر فى الصورة الخبر المنشور فى جريدة الوفد عام 2006 نقلاً عن جريدة فايننشنال تايمز البريطانية والذى جاء فيه نصاُ أن المخابرات الأمريكية والأوروبية تخطط لتغيير الأنظمة العربية حيث كشفت الجريدة عن إجتماع ضم رؤساء مخابرات أمريكا وأوروبا فى واشنطن لتغيير أنظمة الحكم بطرق غير تقليدية, حيث ذكر فى الخبر الجزء الخاص بنشر الديمقراطية عن طريق المنظمات الحقوقية فى حين لم تذكر لطرق الأخرى الغير تقليدية مثل التنظيمات الإرهابية.
لقد جرى إطلاق أكثر من 100 برنامج فى كلاً من الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا تختص بالسيطرة على المعتقلين, حيث حملت هذة البرامج أسماء رمزية كالطائر الأزرق “Bluebird” و”Artishoke” إلا أن أشهر تلك المشاريع كان مشروع مونارك أو “MK ULTRA” والذى ظهر على السطح الحديث عنه إثر تأليف لجنة عام 1975 للتحقيق فى تجاوزات وكالة المخابرات الأمريكية حيث ظهرت بعض الأوجه المظلمة لهذا البرنامج بعد 15 عاماً من إطلاقه. حيث قامت فيه المخابرات الامريكية (C I A) بإجراء تجارب تتضمن إزالة الشخصية الحقيقية للفرد عن طريق معالجة كهربائية خاصة، ومن ثم خلق وبرمجة شخصيات متفرقة وموزعة إلى أقسام مختلفة في العقل وهذا يجعل الخاضع للعملية مهووساً بأفكار معينة يتم تحديدها وبرمجتها مسبقاً، وهذه هى الطريقة المتبعة في برمجة الانتحاريين الذين يستخدمونهم للاغتيالات. وأكدت هذا الكلام كاثى أوبراين فى كتابها الشهير “تحول امريكا” وهى الناجية الوحيدة المعلنة التي شُفيت من آثار عملية “مونارك” السرية للتحكم في العقل البشري حيث ذكرت بالتفاصيل التحكم الحكومي الرسمي للولايات المتحدة الامريكية في عقول عملاء المخابرات.
الواقع أنه مثلما ذهبت القوات الأمريكية إلى أفغانستان لمحاربة بن لادن وجاءت الأساطيل الغربية إلى العراق لمحاربة صدام, كان لابد من وجود زعيم إرهابى فى ليبيا لكى يتحرك حلف الناتو إلى هناك وهنا ظهر خبر مقصود فى جريدة ديلى ميل البريطانية يقول أن أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش الإرهابي، سافر إلى مدينة سرت بليبيا، وذلك عقب تضييق الخناق عليه من قبل قوات التحالف التي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية. وقالت مصادر أمنية للصحيفة: إن “البغدادي دخل تركيا للعلاج بعد إصابته بجراح خطيرة في غارة جوية سنتها القوات الجوية العراقية على موكبه في محافظة الأنبار غرب البلاد”. وأضافت أنه في البداية تم نقل البغدادي إلى الرقة السورية، حيث أنقذ الأطباء حياته ولكن نقص الإمكانيات الطبية، أجبره على الانتقال إلى تركيا لاستكمال علاجه هناك.
بتحليل ذلك الخبر السينمائى نجد أنه أقرب إلى الخيال, فكيف لإرهابى مطلوب من دول العالم أن يتحرك بكل تلك الحرية ما بين معقل التنظيم فى سوريا الذى يضرب يومياً وبين تركيا , ثم يستقر به الحال فى ليبيا! ولتكتمل المنظومة المخابراتية كان لابد من إنهاء دور محمد الموازي المعروف بجون السفاح, ليسدل الستار على مرحلة الإعداد لغزو ليبيا, حيث أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون مساء الخميس 12 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 مقتل المدعو محمد الموازي والمعروف بـ”جون” السفاح في غارة جوية شنتها قواتها علي محافظة الرقة شمال وسط سوريا. وحتى إذا سلمنا بصحة تلك لأخبار, فهناك عدة سئلة تحتاج إلى إجابة, كيف تم حديد موقعه بتلك السهولة دخل العمق السورى؟.. ولماذا تم القضاء عليه فى هذا التوقيت بالذات وهل لذلك علاقة بالضربات الروسية وخوف الأمريكيين من وقوع جون السفاح فى الأسر بعد تقدم الجيش السورى على الأرض خاصة إذا تم القبض عليه وإستجوابه.., وما دام تم تحديد مكانه والقضاء عليه بسهولة, لماذا لم يحدث ذلك الأمر مع أبو بكر البغدادى وتركه يهرب إلى ليبيا؟.
سيذكر يذكر التاريخ كيف نجحت إدارة جورج بوش الابن، فى استغلال الأحداث الدامية التى واجهتها فى مطلع توليها السلطة، فى ترسيخ نظرية المؤامرة لدى الشعب الأمريكي، لتتغير خريطة العالم بشكل ملحوظ فى عام ٢٠٠١، عقب الهجمات التى طالت مركز التجارة العالمى ومبنى البنتاجون، والتى عرفت باسم هجمات «١١ ايلول/ سبتمبر»، وأعلن تنظيم القاعدة مسئوليته عنها، الذى سبق وأنشأته المخابرات الأمريكية بأموال دافعى الضرائب فى أواخر السبعينيات من القرن الماضي، بدعوى مواجهة النفوذ السوفيتى فى آسيا.
كذلك مع ظهور موجة الحرب على الإرهاب، تغيرت بوصلة هوليوود السينمائية، فتنوع إنتاجها بين الأعمال الوثائقية والدرامية، وصولًا للأفلام التى تناولت الدور الأمريكى فى الحرب على الإرهاب بالخارج، وبطولات مقاتلى الفرق الخاصة الأمريكية؛ ومنها ما توجه للمنطقة الرمادية، وأظهر الأثر النفسى على المقاتلين عقب عودتهم للوطن مجددًا، مثلما ظهر فى فيلم «American Sniper» ٢٠١٤ للنجم برادلى كوبر.
نجد الحرب على طالبان واستمرارًا لتلك السلسلة، طرحت شركة ليونز جيت الترفيهية، فيلم الأكشن والدراما “Strong 12» للنجم كريس هامثورث، والذى تناولت أحداثه قصة حقيقية حدثت فى أفغانستان ٢٠٠١، حول أول فرقة قوات خاصة تتوجه لهناك عقب هجمات ١١ أيلول/ سبتمبر للقضاء على حركة طالبان التى تتحكم بمقاليد الحكم منذ منتصف التسعينيات، من خلال التعاون مع أحد قادة الحرب الأفغان.
كذلك هجمات بوسطن خلال إقامة ماراثون بوسطن عام ٢٠١٣، والذى شارك خلاله أكثر من ٢٧ ألف شخص، ومع اقتراب العدائين من خط النهاية وقع تفجيران متتابعان، وقع على إثرهما ثلاث ضحايا وعشرات المصابين الذين بترت أطرافهم -خصوصًا منطقة الساقين- بسبب وجود العبوة الناسفة على الأرض. لم تكن هذه اللحظات سهلة على الناجين، فقام الشاب جيف باومان أحد المشاركين بالماراثون بتدوين كل ما يتذكره عن الحادث، ما مكّن الشرطة من التعرف على الجناة وملاحقتهم فيما بعد بفضله، وهو ما شاهدناه فى فيلم «Stronger» الذى تم طرحه نهاية سبتمبر الماضي، وقام ببطولته الممثل الشاب جاك جيلنهال، وتناول الفيلم بطولات باومان فى التعرف على الجناة، وجهده فى التعافى الجسدى والنفسى بعدما فقد كلتا ساقيه جراء الحادث.
أيضًا طرحت استديوهات هوليوود عددا من الأفلام التى عادت لتناول ظاهرة الإرهاب، كان أبرزها فيلم «the foreigner» للنجم جاكى شان، والذى حقق نجاحًا ضخمًا بشباك التذاكر، ودارت أحداث قصته حول رجل أعمال متواضع يُدعى كوان، يظهر ماضيه الدفين الذى كان قد وأده خلفه، عندما تُقتل ابنته من قِبَل جماعة إرهابية ذات دوافع سياسية انتقامًا منه، وبينما يستقصى كوان هوية الإرهابيين يتورط فى لعبة قط وفأر مع مسئول فى الحكومة البريطانية.
…يبقى في النهاية بعدما إنتهى دور تنظيم القاعدة بدخول أمريكا لأفغانستان والعراق, ثم سوف تنتهى مهمة داعش بدخول أمريكا وحلفاؤها فى سوريا وليبيا ليصبح الدورالقادم مع تنظيم جديد يتم إختراعه ليحاول الأعداء تكرار نفس السيناريو مع مصر والسودان, إلا أن العواقب التى لم يحسبونها سوف تكون وخيمة عليهم لأن الشعوب سوف يكون لها شأناً آخر سوف تظهر آثاره فى الأيام القادمة. للنتظر قادم الأيام.. وإن كان مجهولًا..