يتجدد الحديث الروسي حول البؤرة الإرهابية في محافظة إدلب بين فينة وأخرى وذلك بضرورة الذهاب سريعًا إلى تنفيذ الاتفاقات والتفاهمات التي توصلت إليها الأطراف الثلاثة في أستانا (نور سلطان حاليًّا) وهي روسيا وإيران وتركيا، وضرورة إنهاء الوجود الإرهابي في المحافظة، وهو حديث له دلالاته أقربها ارتفاع مستوى الامتعاض من الموقف التركي المتلكئ عن التحرك نحو تنفيذ ما تم التفاهم عليه بشأن الوضع في محافظة إدلب، وكذلك ارتفاع منسوب القلق لدى روسيا من استمرار البؤرة الإرهابية في محافظة إدلب وما سيترتب على ذلك من مخاطر عديدة حاضرًا ومستقبلًا.
لم يخفِ سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي تلك المخاوف والقلق بقوله “فيما يخص الوضع في سوريا فإن التنظيمات الإرهابية وخصوصًا “جبهة النصرة” تسيطر على معظم مساحة إدلب وتواصل خرق اتفاق منطقة خفض التصعيد فيها، وتستمر باعتداءاتها على المدنيين واستفزازاتها ضد الجيش السوري، وهو ما لا يمكن السكوت عنه، ولا يمكن السماح ببقاء الإرهابيين في إدلب”. وعلى الرغم من هذه القناعة ـ سواء كانت لدى موسكو أو دمشق ـ إلا أن ثمة أطرافًا معروفة تسعى إلى إبقاء بؤرة الإرهاب في محافظة إدلب متقدة، وتعمل على تمكينها بشتى الوسائل ليس فقط بالدفاع عنها والتحرك نحو منع قيام الجيش العربي السوري وحلفائه بعمل عسكري لتطهير المحافظة وإعادتها إلى الوطن السوري، وإنما باستمرار دعمها.
الاستثمار في الإرهاب التكفيري بالمنطقة وتحديدًا في سوريا لا يزال يتواصل، حيث وجد المستثمرون فيه ضالتهم بتحقيق أهداف أرادوها ـ وإن عجزوا عن تحقيق أهداف أخرى كإسقاط الحكومة عبر التنظيمات التكفيرية الظلامية التي أنتجوها وفاق عددها المئة ـ ومنها إلحاق أكبر قدر من التدمير والخراب بالبنية الأساسية، وإلحاق أكبر الخسائر في صفوف المدنيين والعسكريين السوريين، وتهجير أكبر عدد من أبناء الشعب السوري وإفراغها من ثقلها الديمغرافي، حيث النظرة إلى ذلك أن عملية الاستهداف الممنهج للبنية الأساسية وأبناء الشعب السوري سيكون كفيلًا أو مسرعًا ومسهلًا عملية إسقاط الحكومة والدولة السورية بأسرها بيد واضعي المخطط الإرهابي الكوني ضدها.
لذلك، ممنوع من قبل معشر المتآمرين على سوريا أن تعود هذه الدولة العربية العزيزة إلى سابق عهدها وعنفوانها واستقلالها وسيادتها ووحدتها، وبالتالي من مقتضيات هذا المنع هو أن يستمر الاستثمار في الإرهاب التكفيري ويستمر معه الدعم اللازم لتمكينه وتمكين تنظيماته.
وما قاله وزير الخارجية الروسي حول الدور الأميركي في سوريا بشأن الإرهابيين مثير للانتباه، حيث شدد لافروف: “تتجلى المعايير المزدوجة في حقيقة أن زملاءنا الغربيين وخصوصًا الأوروبيين وفي أجزاء أخرى من العالم لا يريدون استقبال الإرهابيين الأجانب الذين تم اعتقالهم في سوريا، وهناك خلاف حول مصيرهم، فالأميركيون يهددون بإطلاق سراحهم، وهو ما سيكون جريمة والأوروبيون الذين يحمل هؤلاء الإرهابيون جنسية بلدانهم يرفضون استقبالهم”.
إن ما يمكن فهمه من ذلك هو ما يؤكد اليقين بأن دول المنبع للإرهابيين، ومنها دول أوروبية إنما كانت تريد التخلص منهم من جهة، وتحقيق ما تريده في الوقت ذاته من أهداف تدميرية تخريبية واستعمارية من جهة أخرى، لذا استمرار الوضع في محافظة إدلب مقلق للغاية فعلًا، ويستدعي تحركًا مشتركًا لتطهير المحافظة من الوجود الإرهابي.
رأي الوطن العمانية