انعَكَس “اختفاء” السعوديّ جمال خاشقجي بطَريقَةٍ مُباشَرةٍ على اتِّفاق إدلب بينَ الطَّرَفين الروسيّ والتركيّ الذي انتَهى الجُزء الأهَم مِنه وهُوَ انسحاب هيئَة تحرير الشام (النُّصرة سابِقًا)، مِن المِنطَقة المَنزوعة السِّلاح يوم أمس الإثنين دُونَ أيِّ تَطبيقٍ على الأرض.
الحُكومة التركيّة وأجْهِزَتها الأمنيّة غارِقَة حتّى أُذُنَيها في مُتابَعة التَّحقيقات في الجَريمةِ المَذكورة آنِفًا التي باتَت تَحظَى باهتمامٍ إقليميٍّ وعالميٍّ مُزدَوج، ويبدو أنّ جبهة النُّصرة تُدرِك هَذهِ الحقيقة جيّدًا، ووَجدت فيها فُرصَةً للانسحابِ وتَسليمِ أسلِحَتها الثَّقيلة.
السيد مولود جاويش أوغلو وزير الخارجيّة التركيّ قال أنّه لا تُوجَد هُناك أيّ مُشكِلة تتعلَّق بسَحبِ السِّلاح الثَّقيل، وأنّ عمليّة التَّنفيذ مُستَمرِّة، ولكن مُتحدِّث باسم جبهة النُّصرة، أكَّد مُجدَّدًا أن جبهته تَرفُض التَّخَلِّي عن سِلاحِها والانسحاب مِن المَناطِق المَنصوص عليها في الاتِّفاق.
في المُقابِل تُراقِب السُّلطات السوريّة المَوقِف عَن كَثَبٍ، وتترُك الأمر للطَّرف الروسيّ، وأكَّد السيد وليد المعلم، وزير الخارجيّة، أنّ بِلاده ليسَت في عَجَلةٍ مِن أمرِها، فقد دَعَمت هذا الاتِّفاق حَقنًا للدِّماء، والقُوّات السوريّة تتواجَد في مِنطَقة إدلب، جاهِزةٌ للتَّحرُّك عَسْكَريًّا لاستعادَة المدينة إذا لم تَلتَزِم جميع الأطراف بالاتِّفاق، وذَلِك في المُؤتمر الصِّحافي الذي عَقَده أمس في خِتام مُحادثاتِه مع نَظيرِه العِراقيّ الدكتور إبراهيم الجعفري.
مِن غير المُستَبعد أن يَتَّفِق الأتراك والروس، راعِيا الاتِّفاق على فَترةِ تَمديدٍ إضافيّة، ليسَ بسبب تَفاقُم أزَمَة اختفاء الصِّحافي خاشقجي، وإنّما أيضًا لتَوارُد أنباء عن وجود خِلافٍ داخل “جبهة النصرة” حول مَسألة الانسحاب مِن المَناطِق المَنزوعة السِّلاح، فالجَناح الأوّل الذي يَقودُه أبو محمد الجولاني ويَضُم السُّوريّين، لا يُمانِع تنفيذ الاتِّفاق والانضمام إلى “جبهة تحرير الشام” التي تَضُم فَصائِل مُوالِية لتركيا، أمّا الجَناح الثَّاني فيَضُم غالبيّته المُقاتِلين الأجانِب ويتزعّمه قائِدًا مِصريًّا، فيُعارِض إلقاء السِّلاح، والانسحاب مِن المَناطِق المُحدَّدة، لأنّ هذا يَعنِي في رأيِه مُقَدِّمةً لتَصفِيَته في مَرحَلةٍ لاحِقَةٍ.
عملية اختفاء الخاشقجي التي باتَت تُشَكِّل عِبْئًا ثَقيلًا على القِيادتين الأمنيّة والسياسيّة التركيّة رُبّما تَنعَكِس سَلبًا على اتِّفاق إدلب، ليسَ مِن حَيثُ تأجيل تنفيذه فقط، وإنّما إلغائِه كُلِّيًّا، الأمر الذي يَصُب في مَصلَحة الطَّرف الرسميّ السوريّ الذي يَرى أنّ الحَل العَسكريّ هو الخِيار الذي سيَتم اللُّجوء إليه في نِهايَة المَطاف لإعادَة المدينة إلى سيادَة الدَّولة السوريّة.. واللهُ أعْلَم.
“رأي اليوم”
Discussion about this post