من غير المتوقع أن تحدث الإستراتيجية القومية الجديدة لمكافحة الإرهاب، التي نشرها البيت الأبيض، تغيرات كبرى في المعركة ضد المنظمات «الجهادية»، لكن مع ذلك، سيكون لها تبعات جسيمة على المدى الطويل، في حال تم تطبيقها.
توثق هذه الإستراتيجية الجديدة لتسوية جرت بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وكبار الضباط في البنتاغون، والأمانة العامة لأجهزة الأمن الوطني، وما زلنا نذكر جميعاً أن الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الابن، هو من أعلن «الحرب الكونية على الإرهاب» بعد هجمات 11 أيلول 2001، ليحرف الأنظار عن الهجمات التي أغرقت مدينتي نيويورك وواشنطن بالحزن، وقد أدى ذلك إلى عكس النتيجة المنشودة رسميا: فقد اتسع نطاق الهجمات الإرهابية عبر العالم، بدل أن يتلاشى.
ولوضع حد لهذه المهزلة، أمر الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما بتنفيذ تمثيلية هوليودية «لموت» مزعوم لأسامة بن لادن، لإعادة إدماج رفاقه في السلاح ضمن وكالة المخابرات المركزية.
وهكذا شارك «المجاهدون» الذين حاربوا السوفييت في أفغانستان، والبوسنة والهرسك، بأسلحة إسرائيلية ومستشارين أميركيين، جنباً إلى جنب مع قوات الناتو في العمليات البرية ضد ليبيا، ثم ضد سورية.
كان الرئيس ترامب ومستشاره الأول للأمن القومي، الجنرال مايكل فلاين، يأملان في وضع حد لاستخدام الإرهاب من وكالة المخابرات المركزية وحلفائها، لكن مكتب التحقيقات الفدرالي تمكن من إجبار فلاين على الاستقالة من منصبه، وكان على ترامب أن يتراجع إثر ذلك عن طموحاته، لكنه نجح من الناحية العملية، في إقناع دول الخليج بوقف تمويل تنظيمي القاعدة وداعش، كما نجح أيضاً بإجبار الناتو على وقف عمليات التنسيق بين فصائل الجهاديين انطلاقاً من قاعدة «لاندكوم» في إزمير، وإدراج الحرب ضد الإرهاب، كواحدة من أهدافه.
الغريب في الأمر أن الإستراتيجية القومية الجديدة لمكافحة الإرهاب، لم تأت بكلمة واحدة عن استخدام جهاز المخابرات البريطانية «ام16» لتنظيم الإخوان المسلمين، والنقشبندية، كما أنها لم تتحدث عن أيديولوجية سيد قطب التي تنتشر حالياً، خارج أي سيطرة، في جميع أنحاء العالم الإسلامي، لذلك من العبث محاربة أشباح الإرهاب الذين ينفذون العمليات الإرهابية من دون التصدي لجذور المرض، أي أيديولوجية الإخوان المسلمين، لذلك فضل الرئيس ترامب أن يغير شعاره، ليصبح «الولايات المتحدة أولاً»، لإعادة تشكيل قوات الأمن في بلاده.
وبعد أن تأكد من استحالة محاربة جميع الجماعات الإرهابية في العالم في وقت واحد، قرر التركيز فقط على المجموعات التي تهاجم المصالح الأميركية، بإدماج إسرائيل بالمعنى الأعم والأوسع للكلمة.
وهكذا تمكن من وضع حد، على الأقل، لجميع أنواع الحروب السرية المناوئة للحركات القومية في كل من أميركا اللاتينية، وإفريقيا، وآسيا، ولكن للأسف، من دون الشرق الأوسط، مع إبقاء حزب اللـه وحماس في مرماه، لحماية إسرائيل، والعديد من الجماعات المسلمة، والسيخية تحسباً لحرب في باكستان.
لكنه من ناحية أخرى، رفع مسألة مكافحة الإرهاب إلى مرتبة أيديولوجية قومية، مثلما كان عليه الحال إبان مكافحة الشيوعية أثناء الحرب الباردة، وهي في الواقع وسيلة لوضع حد لكراهية البنتاغون لروسيا.
في نهاية المطاف، لا يرى ترامب أن وقوع هجمات ضد بلاده أمراً مستحيلاً، لهذا حمل قواته الأمنية مسؤولية التنبؤ المسبق، بعد أن منحهم الإمكانات لإعادة بناء صفوفهم.
وباختصار، هو يسعى لحرف البنتاغون بعيداً عن مهماته الإمبريالية التاريخية، وإعادته إلى مهمته الأساسية في الدفاع عن الأراضي الأميركية التي لم تكن الشغل الشاغل له في سابق الأيام.
تيري ميسان ـ الوطن السورية
Discussion about this post