حوّلت الولايات المتحدة الأمريكية دماء الشعوب إلى صدى لصراعاتها الداخلية، بين الحزبين الرئيسيين الجمهوري والديمقراطي في تبادل واضح للأدوار، فليس انتقاد السلوك الخارجي لرئيس أمريكي ما إلا لعبة داخلية، فليس أي من الحزبين حمامة سلام دولية، ولا السياسات الخارجية الأمريكية منصبة على الاستقرار الدولي، كما قد يكون عرق وجهد الشعوب صدى للجشع الإمبريالي الذي لا يتوانى عن افتعال الحروب من أجل نهب ثروات الشعوب، فرحلة الكذب الأمريكية والتي تنتهي بإراقة دماء الشعوب وكثير منها تأتي تلبية لمتطلبات داخلية، لم تبدأ في العراق أو قبلها أفغانستان.
ليس بالبعيد فقبل عقدين من الزمن كان العالم مع تجربة أمريكية لتصدير أزماتها الداخلية، ليُضحى بدماء بريئة على مسلخ الصراعات الداخلية الأمريكية، ففي عهد الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون وفضيحته مع المتدربة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي حين كان يحاكم شعبياً وقانونياً والسير بإجراءات عزله- كما اليوم فيما يتعلق بمحاكمة عزل دونالد ترامب- شهد العالم قصفاً بصواريخ كروز على أفغانستان وعلى مصنع للأدوية في السودان، ورغم ادعاء واشنطن أن الهجوم (كان رداً على تفجيرات السفارات الأمريكية في كينيا وتنزانيا)، إلا أن العالم لم يصدق ذلك وتكشف فيما بعد أنها للتغطية على فضيحة رئيس أقوى دولة بالعالم .
والكذب الأمريكي تصاعد إلى مستويات أعلى في الإجرام، حين قررت واشنطن تدمير دولة ذات سيادة وقتل الآلاف من الأبرياء في العراق، بزعم امتلاكه لأسلحة دمار شامل، ورغم أنه قد أثبت أن تلك المزاعم كاذبة، إلا أننا لم نرَ أي محاسبة داخلية أمريكية ضد فريق الإدارة الأمريكية حينها فريق جورج بوش الابن، أو تعويض البلد المدمر حتى باعتذار، فتلك الجرائم الوحشية الأمريكية بحق الإنسانية والحضارة في العراق بسب أكذوبة تأكد بطلانها، إلا أنها لم تكن الأخيرة.
والجريمة الكبرى في الأعراف الدبلوماسية مؤخراً، ما قامت به إدارة الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب الذي يواجه محاكمة عزله، باستهداف قائد فيلق القدس الفريق قاسم سليماني في قصف جوي استهدف موكبه قرب مطار بغداد المدني، في انتهاك فاضح لمبادئ حقوق الإنسان والأعراف الدولية، والزعم الأولي جاء على لسان ترامب في تصريح بأن سليماني «كان يخطط لمهاجمة دبلوماسيين». وقبل الإشارة إلى كذب ترامب، لابد من التوقف عند توقيت الجريمة، حيث لا يمكن فصلها عن محاكمة عزل ترامب. أي إن قرار ترامب باستهداف سليماني، ما هو إلا تصدير لأزمته الداخلية التي خفتت بعض الشيء بعد الجريمة- كما فعل كلينتون- فكذبة ترامب واضحة, حيث إنه لم يستطع إثبات أي وجود لمخطط استهداف دبلوماسيين، واستكمالاً للكذب تشيع الدوائر الصهيو – أمريكية أن إيران «تسعى للقنبلة النووية»، فماذا تهيئ له هذه الإشاعة؟.. سننتظر المجريات.
في رحلة الكذب الأمريكية تسفح دماء الشعوب بكل بساطة،على أبواب صراعات داخلية أو أمزجة أمريكية مريضة.
راتب شاهين – تشرين