المشهد داخل الأزمة السورية «سوريالي» إلى أبعد الحدود، فالمبعوث الأممي يتحرك لانعقاد اللجنة الدستورية المصغرة، في حين ترتفع حدة المعارك والمواجهات في إدلب، في المقابل يصبح العامل الاقتصادي في صلب التكوين العام للأزمة السورية، فلم يعد عقوبات إنما هو جزء من منظومة حصار للمنطقة ككل.
وسط كل اللقاءات الدبلوماسية من أجل اللجنة الدستورية فإن الحالة العسكرية في إدلب تبدو عاملاً مرناً؛ تستخدمه تركيا على المستوى الإنساني من خلال تصريحات الرئيس رجب طيب أردوغان عن 400 ألف لاجئ، وتغطي به في المقابل مسألة ترحيل المقاتلين باتجاه ليبيا، فالمعركة العسكرية تحمل في تفاصيلها أبعاداً مختلفة لإستراتيجيات تركيا، تتنقل فجأة من شرق سورية وغربها باتجاه الشواطئ الليبية.
بالتأكيد فإن الحلول السياسية للأزمة السورية أصبحت مع تطور التدخل التركي أكثر تعقيداً، فأنقرة لم تعد فقط تحتل جزءاً من الأراضي السورية، بل تمتلك ميليشيا متنقلة جغرافياً قوامها من السوريين الذين يخضعون لسلطتها، وهي تعتقد أن هذه القوة تمتلك أمرين اثنين:
– الأول: القدرة على إدخال بعض عناصر الأزمة السورية في الدور الإقليمي التركي عموماً، فزج مقاتلين سوريين في ليبيا لن يغير المعادلة العسكرية، لكنه يدفع الدول الأوروبية على الأقل إلى حسابات سياسية لم تكن موجودة، حيث تبدو تركيا عاملاً إضافياً لا بد من التعامل معه.
تسعى تركيا لرسم طموحها كجزء من قدرتها على التأثير القوي، فوجودها في شمال قبرص لم يعد مؤثراً بعد البدء باستثمار الغاز في حوض المتوسط، وقضاياها العالقة في سورية باتت تحتاج لتدعيم على المستوى الإقليمي، ومن هذه الزاوية فإن تدخلها عبر مقاتلين سوريين لا يعني فقط إدخال «مرتزقة»، بل أيضاً إعطاء أبعاد مختلفة لوجودها في سورية، وتحكمها بمناطق الأزمات.
– الثاني: التأثير على أوروبا باعتبار تركيا قوة مشرقية، فالملعب الليبي أصبح جزءاً من نقاط تأثيرها وتحركها عبر استخدامها الأزمة السورية بشكل جديد.
اعتمدت تركيا سابقاً ورقة اللاجئين للتأثير على المواقف الأوروبية، وهي اليوم تستخدم مقاتلين سوريين لنفس الأمر وتتقدم بها خطوات باتجاه أوروبا من خلال وضعهم داخل ليبيا، فهؤلاء هم لاجئون «مرتقبون» ولكنهم من قياس مختلف لأنهم أكثر تشدداً ومدربون عسكرياً.
ما يهم أنقرة اليوم هو ضمان قدرتها على التأثير من خلال الأزمة السورية، ولم تعد المسألة بالنسبة لها ضمان نفوذها داخل اللجنة الدستورية، بل التأثير أيضاً على القرار الأوروبي مستقبلاً بشأن الإجراءات الخاصة بالحل السياسي، فهي تتحرك لتدعم دورها في مراحل الخروج من الأزمة من الجانبين الاقتصادي والسياسي، وبغض النظر عن القدرة التي تملكها للتعامل مع إجراءات الحل النهائي، لكنها تسعى لمواجهة واضحة المعالم مع الأوروبيين في هذا الموضوع.
المشكلة التي يطرحها الدور التركي المتقدم هو عدم وجود حدود واضحة له، فهو من بداية الأزمة لم يكن قادراً على رسم توازنات جديدة واحتاج للتحالف مع قطر في البداية، ثم اضطر للتعامل مع الدور الروسي، ويبحث حالياً في التأثير في الدور الأوروبي «المستقبلي»، ومن غير المتوقع توقف أنقرة عند نقطة معينة في مسألة اللعب بتوازنات المنطقة عبر سورية، فهذا الدور المتنقل في التحالفات غير قادر على الانكفاء لصالح الحل السياسي، وهو بالتأكيد لن يستطيع لعب دور متوازن في المستقبل لرسم الاستقرار السياسي والاقتصادي
مازن بلال -الوطن