رغم أن الحديث عن ما أطلق عليه «صفقة القرن» المتضمنة خطة سلام أمريكية للمنطقة، ما تزال في المساحة الرمادية، إلاّ أن التصريحات بشأنها تبرز بين الحين والآخر، وكأنّها «الفزّاعة» الأميركية للعالم والمنطقة، تزرعها في حقول المنطقة بشكل مستمر، تلوّح بها لأسباب متعددة أبرزها انتخابية اسرائيلية أميركية، ولتغيّر من شكل ظروف المنطقة وأولوياتها.
تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة بشأن نيّته الإعلان عن خطة السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، المعروفة باسم «صفقة القرن»، قريبا وقبل يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من كانون الثاني الحالي، وتحديدا قبل زيارة رئيس تصريف الأعمال الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى البيت الأبيض، أعادت الحديث عن هذه الصفقة لواجهة الحدث العربي والدولي، لجهة رفض هذه الصفقة غير معروفة التفاصيل، والتي يتم التعامل معها حتى اللحظة بالتكتّم.
مؤشرات ودلالات لهذه الصفقة، تنمّ على أن رياحه لن تأتي بما تشتهيه سفن المنطقة، وتحديدا القضية الفلسطينية، فما يتضح استبعاد إقامة دولة فلسطينية، وموافقة الإدارة الأميركية على ضم الكتلة الاستيطانية بما يتماشى مع الإجماع الإسرائيلي، وضم الأغوار، وفرض السيادة الإسرائيلية على أجزاء من الضفة الغربية، ونقل السفارة الأميركية لمقر دائم بالقدس، بما يتناغم مع طرح نتنياهو وأحزاب اليمين، ومؤشرات أخرى مختلفة، لا تدفع التفكير بهذه الصفقة بأي ايجابية بالمطلق، بل على العكس تجعل من الأمر غاية في الخطورة والتخوّف من قادم يقتل عملية السلام، ويؤخّر من أشواط قطعت بهذا المجال آلاف الأميال، ويدفع لجهة منع تحقيق ما تخطط له الولايات المتحدة واسرائيل بهذا السياق.
الأردن الذي أكد لأكثر من مرة رسميا على أنه لم يطلع على ما أطلق عليه «صفقة القرن» يجدد التأكيد على الثوابت الأردنية، بأن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية لتعيش بأمن وسلام الى جانب اسرائيل سيحقق السلام في المنطقة، وأن حلّ القضية الفلسطينية مصلحة أردنية عليا، رافضا أي حلول دون ذلك، أو تبعد الحل عن هذا المربّع.
ودون ادنى شكّ أن الموقف الأردني أو الثوابت الأردنية في القضية الفلسطينية تعدّ نهج عمل وخارطة طريق، السير في تطبيقها يقود لخطة سلام حقيقية وجادّة، وتمنح الحقّ لأصحابه بعيدا عن أي التواء في حلول حتما ستدفع بالسلام لهاوية التراجع والإخفاقات، وتدفع بالمنطقة والعالم نحو مزيد من التأزّم.
وبات من الطبيعي أن يتبع هذه التصريحات الأميركية انتهاكات اسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني بشكل علني، فمن أمن العقاب أساء الأدب، بل العكس ففي كل انتهاك وتجاوزات يصل لإسرائيل مكافأتها من الولايات المتحدة على ما تقوم به، ولعلّ «صفقة القرن» والتلويح بها بين الحين والآخر واحدة من مكافآت أميركا لإسرائيل وورقة تمنحها لها ولحكومة اليمين لدعمها انتخابيا.
أي قراءة للتصريحات بشأن هذه الصفقة، حتى ولو كانت في بعض الأحيان تدخل في شكل تسريبات أو حتى اشاعات، تقود لجهة أنها باتت فزاعة أميركية، تعلّقها لغايات أهداف تخدمها وتخدم الأجندات الإسرائيلية، يجب التصدي لها وتكرار مبادىء السلام التي يرددها الأردن دوما، وجعلها ثوابت دولية حفاظا على توازن المنطقة والعالم بأسره، دون ذلك سيبقى واقع الحال يتأرجح بين الأبيض والأسود، والمساحة الرمادية تتسع رقعتها، ويبقي حلم السلام بعيد المنال.