مرت علينا خلال هذا الأسبوع الذكرى التاسعة لـ«ثورة 25 يناير» 2011 المصرية كما يصفها ويحددها الدستور المصري في مقدمته وديباجته الأولى, وعلى الرغم من مرور تسع سنوات على هذا الحدث فإن هناك جدلاً كبيراً لم يُحسم بعد بشأن توصيفها, وبالرغم من تأكيد الدستور على أنها ثورة مازال كثير من المسؤولين الحكوميين ينكرونها ويصفونها بأوصاف كثيرة أقلها أنها «نكسة», وبالرغم من أن ذلك يعد خرقاً للدستور ومخالفة تستوجب المحاسبة فإن هذه المخالفات تحدث يومياً وعلى مرمى ومسمع من القانون وأهله من دون أن يتحرك لهم ساكن.
وبالطبع، هذا الحدث الكبير يستحق التأمل أما تأملنا فيجب أن ينحو منحى آخر أقرب للتقييم العلمي للحدث وهو ما يجعلنا نؤكد أن هناك العديد من خطوط التماس مع المفهوم الحقيقي للثورة كما إن هناك خطوطاً فاصلة تبعدنا عن جوهر الثورة أيضاً, وفي هذا الشأن يجب التأكيد أيضاً على أنه لا يوجد تعريف جامع مانع لمفهوم الثورة في أدبيات العلوم الاجتماعية والسياسية لذلك يجب علينا تحديد مفهومنا للثورة قبل بدء عملية تقييمها.. وفي هذا الإطار، نحن أميل لذلك التعريف الذي يحدد الثورة بأنها «الفعل الذي يُحدث تغييراً جذرياً إيجابياً في بنية المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية» وبناءً على هذا التعريف يمكننا أن نقيمّ الحدث ونرسم خطوط التماس والخطوط الفاصلة مع الثورة.
وفيما يتعلق بخطوط التماس مع الثورة فكل المقدمات التي حدثت قبل 25 يناير تقربها من الثورة إذ تدهورت الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للأغلبية العظمى من الشعب المصري في ظل عجز النظام السياسي عن إيجاد حلول للمشكلات المتفاقمة, وفي ظل تكلس سياسي وجمود وعدم وجود أفق سياسي ديمقراطي يسمح بعملية التغيير وتداول السلطة, هذا إلى جانب انهيار منظومة القيم الثقافية, كل هذه المقدمات دفعت الجماهير للخروج منتفضة في وجه السلطة السياسية في 25 يناير مطالبة وبشكل سلمي بتغيير الأوضاع المتردية وفي ظل عدم استجابة السلطة تطورت المطالب حتى وصلت للمطالبة برحيل الرئيس ورموز نظامه, وهو ما تحقق بالفعل يوم 11 فبراير 2011 وبالطبع يمكننا التأكيد على أن ما حدث حتى تلك اللحظة (هو فعل ثوري حقيقي فكل الخطوط التي رُسمت هي خطوط تماس مع مفهوم الثورة).
أما ما تم بعد عودة الجماهير لبيوتها بعد تنظيف الشوارع والميادين فيرسم خطوطاً فاصلة مع الثورة ويقف ما حدث عند حدود الانتفاضة الشعبية, إذ ظهرت جماعة الإخوان الإرهابية لصدارة المشهد وحاولت الضغط بقوة لفرض أجندة المشروع الأمريكي – الصهيوني على المجتمع المصري بهدف تقسيم وتفتيت مصر ضمن مشروع «الشرق الأوسط الكبير», وبالطبع كانت الجماهير تنتظر التغيير الجذري الإيجابي في بنية المجتمع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية عبر سياسات جديدة مبتعدة عن سياسات التبعية للنظام الرأسمالي العالمي, لكنها وبفعل ما حدث من استيلاء الجماعة الإرهابية على الحكم لم يتمكن الشعب من تحقيق أحلامه في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية, وهو ما يعني أن (الحدث الثوري) توقف عند رحيل مبارك ورموز نظامه من دون أن يُحدث التغيير المطلوب، وهنا تُرسم الخطوط الفاصلة مع (الثورة).
وبالطبع، هذا التقييم العلمي لا يتجاوز حدود 25 يناير المصرية المختلف عليها الآن من قبل أغلبية من شارك فيها ويؤكد أنها (ثورة حقيقية ومنجزة), وبين المختلف معها ويحاول وصمها بالعار وهذا بالطبع غير حقيقي فكل المقدمات وحتى رحيل مبارك تؤكد أنها (ثورة فعلية), أما ما تلا ذلك فهو السبب في تعطيل عملية التغيير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي الإيجابي الذي يعد فاصلاً في الحكم على أي ثورة, ويضع 25 يناير في خندق الانتفاضة الشعبية التي لم تتمكن من تحقيق أهدافها المحقة والمشروعة وتالياً، فهي ثورة غير منجزة.
أما محاولات البعض خلط الأوراق بإطلاق تسمية «الربيع العربي» على الأحداث في تونس ومصر واليمن وليبيا وسورية فهذا عبث, فعملية تقييم الأحداث لا يمكن أن تكون بالجملة فالظروف البنائية والتاريخية لكل مجتمع تفرض تقييماً مختلفاً, فالمقدمات والنتائج في كل دولة تختلف عن الأخرى فمثلاً المقدمات والنتائج في ليبيا تضع خطوطاً فاصلة مع مفهوم الثورة وتقربها من المؤامرة التي تحولت إلى غزو عسكري غربي بهدف الاستيلاء على ثرواتها, والمقدمات والنتائج في سورية ترسم خطوطاً فاصلة مع مفهوم الثورة وتقودنا لتوصيفها بالمؤامرة الكونية عليها بهدف تقويض دعائم المشروع التنموي المستقل المعتمد على الذات والمقاوم لكل أشكال الهيمنة الأمريكية – الصهيونية, لذلك، نعد القارئ بدراسة نعكف عليها الآن لتقييم ما حدث تحت مُسمى «الربيع العربي» المزعوم في كل من تونس ومصر واليمن وليبيا وسورية, وسوف تعتمد الدراسة على استطلاع رأي النخب العربية الوطنية بشأن ما حدث في مجتمعاتهم في تلك الفترة.. اللهم بلغت اللهم فاشهد.
د. محمد سيد أحمد – تشرين