تعيد أنقرة الزخم الإعلامي والوعيد ضد «الوحدات» الكردية في شرق الفرات، إلى أوجه، مشككة بوصول خطوة «نقاط المراقبة» الأميركية إلى نتيجة تصبّ في مصلحتها. وبالتوازي يلتئم أقطاب «أستانا» من ضامنين ومراقبين، وسط رهان أممي جديد على استغلال هذه المنصة لدفع ملف «اللجنة الدستورية»
في الوقت الذي تنشغل القوات الأميركية بتجهيز المواقع المفترضة لنقاط المراقبة على الحدود السورية ــــ التركية بين نهري الفرات ودجلة، وفق الأنباء المتواترة في شرق الفرات، تصعّد أنقرة من خطابها تجاه «وحدات حماية الشعب» و«حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي، مكرّسة تحفظاتها على الخطوة الأميركية، غير مضمونة النتائج ــــ ربّما ــــ من وجهة النظر التركية. السلبية التي تعاطت بها تركيا مع ملف نقاط المراقبة الأميركية، المتعارضة مع ما أوحى بها الإعلان الأميركي الذي سوّق للفكرة وكأنها نتيجة جهد مشترك مع أنقرة، تشير إلى أن ملف التفاوض حول شرق الفرات قد يشهد جولات كباش جديدة تولي الاهتمام إلى المسائل الخلافية العالقة، وعلى رأسها الوجود العسكري لـ«الوحدات» الكردية هناك. وفي المقابل، تكشف سرعة وفاعلية الجهد الأميركي على الأرض، حجم وجدية التخوف من تحرك عسكري تركي قد يقوّض ــــ إن تمّ ــــ جزءاً كبيراً مما أنجزه «التحالف الدولي» خلال أعوام في الجزيرة السورية.
هذه التوازنات دفعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى التأكيد مجدداً، أن بلاده لا يمكن أن تبقى «من دون رد فعل» في مواجهة «التهديد» المفروض عليها من شمال شرقي سوريا، مذكّراً بتحرك بلاده ضد «داعش» في وقت «تقاعست» فيه أطراف أخرى، لم يسمّها. وعلى خلاف ما أوحى به خطاب أردوغان أمام الكتلة البرلمانية لحزبه «العدالة والتنمية»، لم يخرج عن اجتماع «مجلس الأمن القومي» التركي قرارات «حاسمة» في شأن مكافحة «التهديدات الإرهابية القادمة من سوريا». إذ جدد بيان المجلس الختامي التأكيد على عزم أنقرة «مواصلة الحرب ضد الإرهاب»، وعلى أنها «لن تقبل بفرض أمر واقع في سوريا… وسوف تستخدم حقها في الدفاع عن نفسها». وأضاف أن التهديد الأكبر للحل السياسي في سوريا هو «تموضع الإرهاب شرق نهر الفرات»، موضحاً أن تركيا «لن تتجاهل الممارسات الجائرة» التي تمارسها «الوحدات» الكردية ضد سكان المناطق الواقعة تحت سيطرتها «في إطار محاولاتها لإحداث تغيير ديموغرافي». كذلك، دعا البيان كافة الأطراف إلى التحرك «بشكل معقول وسريع» من أجل تشكيل «اللجنة الدستورية». وعلى رغم الطبيعة غير الحاسمة لمقررات المجلس، إلا أنها مؤشر واضح على ضيق هامش المساومة لدى أنقرة في هذا الملف. وهو ما ينعكس أيضاً عبر إصرارها على تغييب المكونات السياسية المحسوبة على «الاتحاد الديموقراطي» في أي مسار تفاوضي، وبخاصة في أستانا وتشكيلة «اللجنة الدستورية».
وضمن هذا الإطار، تنطلق اليوم جولة اجتماعات جديدة في العاصمة الكازاخية، بحضور المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، الذي أكد في بيان أنه قَبِل الدعوة بعد التشاور مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، لافتاً إلى أن «هذا الاجتماع يسعى إلى تسريع التوصل إلى نتيجة ملموسة لإنشاء لجنة دستورية، مع الأخذ في الاعتبار على وجه الخصوص البيان المشترك حول سوريا الصادر في إسطنبول في 27 تشرين الأول 2018، من جانب رؤساء تركيا وفرنسا وروسيا والمستشارة الألمانية، الذي دعا إلى التأسيس والانعقاد المبكر للجنة الدستورية في جنيف، مع مراعاة الظروف، بحلول نهاية العام». وعقب وصول معظم الوفود المشاركة أمس إلى أستانا، ينتظر أن تبدأ اجتماعات تشاورية منفصلة، تمهّد لاجتماع مشترك لوفود الدول الضامنة والمراقبين. ومن غير الواضح ما إذا كانت الدول الضامنة ستقدّم تصوراً عن تشكيلة الثلث الثالث في «اللجنة الدستورية» وفق مقترح خرج سابقاً عن دمشق، ووافق عليه الجانب الأممي بشرط قبول كل الأطراف. وكانت لافتة في هذا السياق، المحادثات التي أجراها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ونظيره الفرنسي جان إيف لودريان، في باريس، والتي تطرّقت إلى ملف «اللجنة الدستورية»؛ خصوصاً أن فرنسا تولّت تمثيل وجهة النظر الأميركية في الملف السوري غير مرّة. ووسط غياب القوى السياسية التي تدعمها واشنطن في «مجلس سوريا الديموقراطية» عن أستانا، يعقد «مسد» اليوم أيضاً مؤتمراً في بلدة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي، بحضور أقلّ زخماً من المرّات السابقة، لناحية تنوع القوى الممثّلة.
الاخبار اللبنانية
Discussion about this post