في اتفاقية أوسلو التي عقدت عام 1993 أوهم الموقعون عليها من الجانب الفلسطيني أنفسهم بأن إسرائيل ستنفذ بموافقة أميركية شعارها الزائف: «الأرض مقابل السلام» فوافقوا على التنازلات بمعظم الأرض وقالوا: «إنهم سيحصلون على أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة مقابل السلام» فلم يحصلوا على أي جزء من الأرض ولا على أي جزء من السلام.
في الإثنين الماضي نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» ما قاله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد حصوله من الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الاعتراف بضم إسرائيل للجولان السوري، ففي المطار الأميركي قال نتنياهو: «عندما يبدأ الطرف الآخر بالحرب فسوف يفقد أراضي، ويجب ألا يطالب بها حين نحتلها بعد ذلك لأنها تصبح ملكنا».
في داخل الطائرة التي أقلته إلى تل أبيب قال لمراسلي الصحف الإسرائيلية والأجنبية المرافقين له فيها عند صباح الثلاثاء الماضي: «كان الكل يقول لنا إنه ليس بمقدورنا الاحتفاظ بأراض نحتلها لكن ما حصل أمس مع الرئيس ترامب يثبت أننا قادرون على ذلك ما دمنا قمنا باحتلالها فسوف تصبح لنا».
ولاشك أن هذا الاستعراض الواضح للسياسة الصهيونية أمام وسائل الإعلام يهدف أيضاً إلى التأثير في اتجاه الأصوات الانتخابية الإسرائيلية المقبلة بعد أيام، فقد تبين بعد اعتراف ترامب بضم الجولان أن 42 بالمئة من الإسرائيليين يؤيدون الإعلان عن ضم الضفة الغربية كلها بما في ذلك الأراضي التي تديرها السلطة الفلسطينية وهي لا تزيد على 12 بالمئة من الضفة الغربية لأن بقية الأراضي تدير 70 بالمئة منها وحدها والبقية 8 بالمئة بشكل مشترك، فالمطلوب الآن أن يستكمل نتنياهو مشروعه بنظر الإسرائيليين ويطلب هذا الضم وليس ضم المستوطنات فقط، وفي مجلة «أنتي وور» الأميركية المناهضة لسياسة الهيمنة الأميركية، الكاتب السياسي جوناثان كوك الذي صدر له كتاب حديث بعنوان: «إسرائيل ونزاع الحضارات: العراق وإيران وخطة إعادة تشكيل الشرق الأوسط»، وكتاب «محو فلسطين: تجارب إسرائيل في فرض اليأس» يقول إن إدارة ترامب ستنتظر الآن وربما بعد الانتخابات الإسرائيلية واحتمال فوز نتنياهو بفرصة تشكيل الحكومة لكي توقع على موافقتها على ضم الضفة الغربية ما دامت الولايات المتحدة لم تعد تحترم قراراتها الأميركية التي اتخذتها في اتفاقات أوسلو ومفاوضات أوسلو وخريطة الطريق، فقد «شطب» ترامب ثلاث مسائل أساسية من جدول عمل مفاوضات الحل النهائي مع السلطة الفلسطينية وهي اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل وعدم اعترافه باستمرار دور وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين «أونروا» بحجة عدم وجود لاجئين بعد سبعين عاماً على احتلال فلسطين كلها، ومسألة رسم الحدود النهائية لإسرائيل ولدولة فلسطين المقترحة، فالضفة الغربية في وضعها الراهن لم يعد فيها مكان لتحديد أراضي هذه «الدولة الفلسطينية» فالمستوطنون أصبح عددهم 800 ألف ويسيطرون مع قوات الاحتلال على 88 بالمئة من أراضيها، والإعلان عن ضمها أصبح شعار الانتخابات الإسرائيلية في 9 نيسان المقبل، ومنطق نتنياهو وتعريفه للاحتلال ينطبق عليها أكثر من الجولان السوري بعشرات المرات.
ولاشك أن سيطرة قانون «الغاب» الاستعماري الاستيطاني القديم الجديد الذي تتبناه واشنطن وتل أبيب في هذه الظروف قابلة على إتاحة تطبيقه من الولايات المتحدة على بقية المنطقة، فلو قامت السعودية مثلاً باحتلال أراض من اليمن فإن واشنطن ستتيح لها ضمها، ويذكر أن المملكة السعودية وهي أكبر دول شبه الجزيرة العربية مساحة وسكاناً لها نزاعات حول أراض ورسم حدود ومطالبة بأراض من قطر والإمارات، كما كان للعراق نزاع حول الكويت ولقطر مع البحرين.
وهذا النزاع لم ينته بعد بنظر عدد من دول الخليج، وقد تستغله واشنطن بطريقتها الإسرائيلية.
فنتنياهو وترامب من مصلحتهما في هذه الظروف تفتيت وتقسيم وتغيير حدود دول كثيرة من الدول الصديقة والحليفة له وليس فقط من الدول المناهضة لهيمنته.