بقلم ـ د. مهدي دخل الله:
أكبر عبث في السياسة أن ينقلب الإنسان بين ليلة وضحاها في معتقداته السياسية انقلاباً كاملاً, من التطرف يساراً إلى التطرف يميناً, كما حصل في أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي..
الذي قضى على الشيوعية في الاتحاد السوفييتي هو ميخائيل غورباتشوف الأمين العام للحزب الشيوعي, أما المعجب بالنظام الأمريكي فهو بوريس يلتسن, أمين فرع موسكو للحزب الشيوعي…
هذان منقلبان كبيران.. وهناك من هم أصغر.
بعد الإعدام المخجل إنسانياً للرئيس الروماني الشيوعي شاوشيسكو كنت في حفل استقبال في السفارة الصينية في دمشق, وكان بين الحاضرين موظف كبير, كبير جداً, في السفارة الرومانية في دمشق, أي إنه ممثل «للحكم الجديد» في بلاده.. أخبرته في حديث جانبي بأنني كنت في وفد حزب البعث الذي حضر مؤتمر الحزب الشيوعي الروماني عندما كان شاوشيسكو أمينه العام, وأنا استغربت كيف تعدمونه بهذه الطريقة المتوحشة بعد شهر واحد من هذا المؤتمر.
كان صامتاً يسمعني بانتباه، وخجل. قلت له: لقد كان المؤتمر كله مؤيداً ومتحمساً لشاوشيسكو حتى ظننا أنه من المستحيل أن يقضي عليه غورباتشوف.. وتابعت: لقد وقف المؤتمر مصفقاً له مرات عديدة, أنا قمت بعدِّ هذه المرات فكانت ستين مرة بالتمام والكمال…
هنا قاطعني مصححاً مع ابتسامة صفراء: «لا.. كانوا 62 مرة, أنا أيضاً قمت بالعد الدقيق لأنني كنت حاضراً»..
بعد شهر من هذا المؤتمر الكبير… أعدم الجنود شاوشيسكو وزوجته أمام الكاميرا بطريقة وحشية جداً. هم أنفسهم الذين كانوا يصفقون له قبل ذلك الإعدام الشهير بأيام…
هل بعد هذا العبث… عبث؟.
تشرين