أحيانا، لا يصمد الكاتب أمام مشاهد متكررة لا يوضع لها حد، تزيد عنده الحشرية أن يتعرف على أسباب الصمت كي يعرف ليرتاح .. ولأننا لا نفقه الأمور العسكرية باحترافها السياسي، تأخذنا التخمينات إلى تصورات تكون أحيانا لا صلة لها بالواقع الحقيقي.
فلماذا لا يرد الجيش العربي السوري على الضربات الإسرائيلية المتتالية بما امتلكه من صواريخ متطورة قادرة على أن تضع حدا للعربدة الإسرائيلية المستمرة..؟ بل لماذا لا تقوم دمشق برد مزلزل يكون ردا هجوميا على مواقع إسرائيلية، وهي تعرف بالتفاصيل المناطق العسكرية الإسرائيلية وأيها خاصرته الرخوة؟!
هذه الأسئلة البسيطة الخالية من المنمقات اللغوية، يهمها أن تسمع الجواب، بأن تراه على أرض الواقع، وفي الميدان .. أن تخرج سوريا عن صمتها وهي تتالى الضربات عليها لم يعد له أي مبرر وأحيانا ليس من الحكمة الكثير من الحسابات.
أعرف أني أغوص في مجال له حساباته العسكرية والسياسية، كما له بعده الروسي والإيراني ومن ثم السوري وربما حسابات أخرى لا تخطر على بال. لكن ماذا نفعل بالأحاسيس الشعبية التي تتابع الصغيرة والكبيرة، وتحسب الصمت أحيانا عجزا مما ينعكس على حالتها النفسية وثقتها بجيشها وبعسكرييها وبالمختصين فيها وبالقيادة ككل أحيانا؟
تحضرني هنا قصة فيها الكثير من العبر التي قد تكون ردا على أسئلتنا .. قبل حرب أكتوبر 1973 بأسابيع قليلة، قامت الطائرات الإسرائيلية بالإغارة على مواقع في منطقة اللاذقية بسوريا، تصدت لها وسائط الدفاع العادية، فيما كان العقل العسكري للرئيس الراحل حافظ الأسد، يخبئ المفاجأة الكبرى لتلك الحرب حين أخرج من مخازنه صواريخ سام 6 أثناء اندلاع الحرب والتي أسقطت عشرات الطائرات الإسرائيلية وهي التي لم تعرف إسرائيل أنها موجودة في سوريا، بل كانت تشك بوجودها، ولهذا حاولت في اللاذقية لعلها تحظى باكتشافها مسبقا فتحتاط في حفظ طائراتها.
أما القصة الأخرى فحدثت في مصر إبان حرب استنزاف عام 1968 حين أغار الطيران الإسرائيلي على مدرسة “بحر البقر” وقتل عشرات الأطفال فجن جنون الزعيم عبد الناصر، وطالب القيادة على الفور بالرد على مدرسة إسرائيلية للأطفال. حاول وزير الحربية يومذاك محمد فوزي إقناعه بأن إسرائيل تريد استدراج مصر لما هو أدهى، وأنها لا تقوم بهذه العملية إلا إذا كان مخططها أوسع منها بكثير. وبعد إلحاح القادة على الرئيس عبد الناصر وتدخل السياسيين ومنهم اللبناني كمال جنبلاط الذي صودف وجوده في القاهرة وكان الرئيس يوده، تراجع وفهم القصة لكنه حفظ في ذاكرته ألما لا بد من ردة فعل عليه.
فهل عدم الرد السوري ينطبق على تلك القصتين، وأن هنالك في الأفق ما لا نعلمه وقد يأتي توقيته الملائم ليكون في ساعة الصح، وأن سوريا تعد عدة ما لما هو أبعد من حسابات العدو الإسرائيلي ويندرج في روح المفاجأة .. لا شك أنها أسئلة بالنسبة لكاتب مل الانتظار وهو يرى عدوا يزيد من حجم الضربات الموجهة إلى الجسم العسكري لأي كان، فيكون الرد عليه كلاسيكيا في كل مرة.
سوف يقال لنا همسا اصبروا، نتفهم رأي شعبنا ورأيكم، لكننا نعرف أبعاد القصة بكل تشعباتها وبالتالي لها حسابات دقيقة، قد نصل إلى فك طلاسمها في وقت نراه نحن مناسبا لنا .. كلام جوهري لا ينفع أحيانا قلة الصبر عند كتّاب لهم حساباتهم القومية والعاطفية العربية.
زهير ماجد- الوطن العمانية
Discussion about this post