فوزي رمضان – صحفي مصري- الوطن العمانية
في الوقت الذي كان العرب فيه مشغولين بالتنديد والمقاطعة كانت إسرائيل تتغلل بقوة داخل القارة الإفريقية، ونالت من المصداقية والمكانة الرفيعة لدى الشارع الإفريقي، حيث تطرح نفسها نموذجا فريدا بالنسبة لهم، في إقامة المشاريع الزراعية التي تهدف إلى محاربة التصحر، وخلق بيئة مواتية للزراعة الدائمة، وهو ما تعاني منه إفريقيا..
في زيارة رسمية قطعت جفوة أربعة عقود من المقاطعة، قام مؤخرا الرئيس إدريس ديبي رئيس جمهورية تشاد المسلمة، باللجوء إلى إسرائيل مستنجدا بها لمساعدته في مواجهة الإرهاب، مقدما إليها قائمة طلبات عاجلة، على رأسها طلب مشاركة إسرائيل، في مكافحة إرهاب الجماعات الإسلامية المتطرفة (يا للعجب)، حيث تواجه تشاد حربا ضروسا أمام إرهاب تنظيم القاعدة وتنظيم “داعش” وبوكو حرام، إضافة إلى مطالب أمنية وعسكرية، وتمت خلال الزيارة توجيه الدعوة الكريمة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بزيارة نجامينا العاصمة.
إسرائيل تعود إلى إفريقيا، وإفريقيا تعود إلى إسرائيل، هكذا كان تعليق نتنياهو على زيارة إدريس ديبي لتل أبيب، لم يأتِ هذا التقارب في يوم وليلة، فمنذ خمسينيات القرن الماضي وتسعى إسرائيل لخلخلة التكتل الإفريقي ذي الـ55 دولة، والذي يمثل 31% من الكتلة التصويتية في الأمم المتحدة، ومحاولة كسر السياسات الرامية لفرض العزلة الدولية على إسرائيل.
أدركت إسرائيل مبكرا أهمية إفريقيا كساحة من ساحات إدارة الصراع العربي الإسرائيلي، وكانت حرب أكتوبر 1973 أوج المقاطعة الدبلوماسية الإفريقية لإسرائيل، حتى زيارة السادات للقدس وتوقيعه على اتفاقيات كامب ديفيد، وبمقتضى ذلك اعتبرت معظم الدول الإفريقية أن قرار المقاطعة قد انهار بتبادل السفراء بين القاهرة وتل أبيب، وهنا أدركت إسرائيل مشروعية الوجود، وكيفية فرض النفوذ على القارة السمراء، بداية من جلب يهود الفلاشا الإثيوبيين المعدومين، وتوطينهم في إسرائيل وتعليمهم وتدريبهم، وإرسالهم مرة أخرى كسفراء لها في الدول الإفريقية، مثال بلاينتش زفاديا التي تم تعيينها مؤخرا سفيرة لدى أديس أبابا.
كما تدعم الجالية اليهودية بجنوب إفريقيا، والتي تعتبر أغنى الجاليات اليهودية في العالم، وتعد المركز الثاني في تمويل خزينة الدولة العبرية بعد يهود أميركا، وفي ذات الوقت الذي يرفرف فيه علم إسرائيل على أرض الدولة المصرية، سعت إسرائيل بقوة للوجود الدائم والمتجذر في إثيوبيا وكينيا وروندا، بغية الحصول على ماء نهر النيل، والضغط على صانع القرار المصري، نظرا لحساسية ورقة المياه بالنسبة للمصريين، ومن ثم عمدت إسرائيل ترسيخ أقدامها على القارة الإفريقية، كما باتت تملك مصداقية كبيرة لدى معظم الدول الإفريقية في مجال المساعدات الاستخباراتية، والتدريبات العسكرية والمشاريع التقنية.
كان الخيار مناسبا أمام صانع القرار الإسرائيلي بالسيطرة على إفريقيا، خصوصا وجود دول كثيرة في أمس الحاجة إلى المساعدات التنموية والتقنية، حيث قدمت إسرائيل نفسها، كدولة صغيرة محاصرة بالتحديات، لكنها تحمل النموذج الأمثل للتنمية، وفي ظل الغياب العربي والمصري عن القارة، استطاعت إسرائيل إقامة شراكة تجارية واستثمارية مع الأفارقة ليس عن طريق القطاع الخاص فحسب، بل بتمثيل من الحكومة الإسرائيلية ذاتها، وهو ما جعلها تدخل ضمن أدوات سياستها الخارجية نحو إفريقيا.
وفضلا عن برامج الإنشاء والتعمير، من بناء مقار حكومية في إثيوبيا وسيراليون ونيجيريا، إلى تشييد مطارات دولية في غانا وأوغندا، إلى بناء فنادق في سيراليون وتنزانيا ونيجيريا، ومؤخرا استثمار مساحات شاسعة من الأراضي لزراعة الزهور في كينيا وإثيوبيا وتصديرها إلى أوروبا، تعلم إسرائيل مدى أهمية القارة الإفريقية، التي تستحوذ على ثلث الثروات الطبيعية للعالم من المعادن، و80 مليار برميل من خام النفط، كذلك اعتبارها سوقا محتملة للمنتجات الإسرائيلية، نظرا للكثافة السكانية العالية التي تتميز بها القارة السمراء.
لذا شهدت الأعوام الثلاثة الأخيرة نشاطا دبلوماسيا إسرائيليا مكثفا في إفريقيا، فقد زار نتنياهو أربع دول في شرق إفريقيا هي أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا، وعقد لقاءات مع 18 من قادة الدول الإفريقية، ولم يخفِ نتنياهو رغبته الملحة في حصول إسرائيل على وضع دولة مراقب داخل الاتحاد الإفريقي، ومع بدء التقارب مع أطراف الصراع العربي، ضمنت إسرائيل مطالبها الأمنية الخاصة بالبحر الأحمر، والذي يعتبر بوابة إسرائيل لقارة إفريقيا، كما ضمنت حرية تنقل سفنها في مضيق باب المندب، ما سهل لها التبادل التجاري المتنامي مع الأفارقة.
في الوقت الذي كان العرب فيه مشغولين بالتنديد والمقاطعة كانت إسرائيل تتغلل بقوة داخل القارة الإفريقية، ونالت من المصداقية والمكانة الرفيعة لدى الشارع الإفريقي، حيث تطرح نفسها نموذجا فريدا بالنسبة لهم، في إقامة المشاريع الزراعية التي تهدف إلى محاربة التصحر، وخلق بيئة مواتية للزراعة الدائمة، وهو ما تعاني منه إفريقيا، كذلك في الوقت الذي كان العرب فيه يحاربون إسرائيل بالميكروفونات، استطاعت إسرائيل خلال الأربعة عقود الماضية استقدام أكثر من 30 ألفا من إفريقيا، تلقوا تدريبات من قبل مراكز التدريب الإسرائيلية.
استطاعت إسرائيل كذلك أن تسيطر على تجارة الألماس وتجارة السلاح، وعقد صفقات تخطت 100مليار دولار، وذلك لدعم الصراعات والحروب الأهلية داخل القارة؛ أي أنها تدعم كافة الأطراف أو كل من يطلب الخدمة، وكما قال أحد المحللين: لن يستطيع أحد توجيه اللوم للدول الإفريقية على تعزيز علاقاتها بإسرائيل، إنها لغة المصالح التي تتغلب على العواطف في عالم اليوم. إذا من حق وزير الطاقة الإسرائيلي أن يقول: سفاراتنا في معظم دول العالم، لقد انتهت عزلة إسرائيل، لدينا الآن علاقات مع دول إسلامية وعربية جانب منها سري، هدفنا ليس إفريقيا فقط، بل إقامة علاقات دبلوماسية مع كافة الدول الإسلامية، نحن نقترب من السيطرة على العالم وبدون حروب.
Discussion about this post